الطب النووي و دوره في التشخيص و العلاج

مُـقـدمـة:
الطب النووي هو أحد التخصصات في مجال الطب البشري و له دور كبير في تطور العناية بصحة المرضى في هذا العصر. و يعتمد بصفة رئيسية على استخدام المواد المُشعة الخاصة للإستعمال البشري لتشخيص الأمراض المُختلفة و علاجها. و له القدرة على اكتشاف أي خلل وظيفي في أي عضو من أعضاء جسم الإنسان نتيجة لحدوث تغيُرات كيميائية مُعينة في العضو المُراد فحصه, مما يُساعد على تشخيص المرض في مراحله المُبكرة و قبل أن يستفحل و يصعب علاجه. و لم يقف دور الطب النووي عند التشخيص بل له دور مهم في علاج بعض الأمراض و ذلك بإعطاء المريض مادة مُشعة خاصة تختلف عن التي تُستخدم في التشخيص, و تتركز هذه المادة في أماكن المرض و من ثم القضاء عليه و الحد من سيطرته على العضو المُصاب دون أي آثار جانبية ضارة على الجسم.

تتضح أهمية الطب النووي في المميزات التالية:
1- التشخيص المُبكر للمرض.
2- تحديد نسبة الخلل الوظيفي للعضو المُصاب.
3- سهولة إجراء الفحص و عدم وجود أي مُضايقات أو مُتطلبات يلتزم بها المريض سواءً قبل أو أثناء أو بعد الفحص.
4-  الكمية القليلة التي يتعرض لها المريض من الإشعاع مُقارنة مع فحوصات الأشعة السينية.
5-  القدرة على مُتابعة تطور الحالة المرضية بدقة.
6- تحديد مدى فاعلية و تأثير العقاقير الطبية في علاج الأمراض.
7- مُتابعة نتائج العمليات الجراحية في بعض الأمراض.

يقوم بعمل فحوصات الطب النووي فريق عمل متكامل من أطباء و متخصصين يُساعدهم فنيون و فيزيائيون لهم دراية تامة في كيفية تشغيل و عمل أجهزة الجاما كاميرا Gamma Camera الخاصة بفحوصات الطب النووي و ما يتبعها من أجهزة كمبيوتر و برامج تحليلية مُتكاملة. يعمل متخصصو المواد المُشعة على تحضير الجرعات اللازمة للفحص في المختبر الحار بعد معايرتها و التأكد من سلامتها. و فريق العمل هذا له دراية تامة في كيفية التعامل مع المواد المُشعة على أساس القوانين العالمية الخاصة بالوقاية من الإشعاع.

تاريخ الطب النووي في الكويت: بدأ الطب النووي في الكويت:
في عام 1965 ميلادي بمستشفى الصباح بوجود جهاز فحص خاص بتصوير و تخطيط الغدة الدرقية و غير قادر على فحص أجهزة الجسم الأخرى. و في بداية عقد الثمانينات و الذي تميز بنهضة واسعة في النواحي الصحية في البلاد, حيث تم إفتتاح عدة مستشفيات جديدة في فترة واحدة. و قد صاحب ذلك تأسيس عدد من أقسام الطب النووي في هذه المستشفيات لما له من دور هام في رسم السياسة العلاجية للمرضى. و تم وضع أجهزة جاما كاميرا في مركز حسين مكي, ثم مستشفى مبارك الكبير و مستشفى الأمراض الصدرية و مركز حامد العيسى و المستشفى الأميري. و كانت هذه الأجهزة كلها ذات الرأس الواحد و كان بعضها له القدرة على الفحص المقطعي.
و في عقد التسعينيات, إلى يومنا هذا, شهدت أقسام الطب النووي تطوراً ملحوظاً جعلها في مصاف الدول المُتقدمة. فقد تم إفتتاح قسم الطب النووي في مستشفى الجهراء و قسم جديد للطب النووي في مستشفى مبارك الكبير و آخر في مستشفى الأميري, و تم تجديد أماكن الأقسام الأخرى و توسعتها بما يتناسب و حجم العمل و الخدمات التي يقدمها كل قسم. و لأول مرة زُودت هذه الأقسام بأجهزة جاما كاميرا جديدة ذات الرأسين و ذات الثلاثة رؤوس و كل ذلك يزيد من دقة نتائج الفحوصات و سرعة إنجازها. و تم إدخال أنواع مختلفة من الأجهزة لشركات معروفة عالمياً في مجال الطب النووي مما يفتح مجالاً أوسع للإستفادة من التطورات التي تحدث في أي من هذه الشركات و الأجهزة التابعة لها, كما يخلق روح المُنافسة في تقديم أفضل الخدمات. و تم تزويد هذه الكاميرات بأجهوة كمبيوتر ذات كفاءة عالية و برامج مُتقدمة تُساعد على الحصول على أفضل النتائج. و قد رُبطت بعض أقسام الطب النووي مع بعضها البعض بواسطة الكمبيوتر حتى يمكن تبادل المعلومات و الإستشارات فيما بينها.

أما بالنسبة للمواد المُشعة, فقد اُدخلت مواد إشعاعية و كيميائية جديدة بعد أن أثبتت فاعليتها و أهميتها عالمياً في تشخيص أو علاج الأمراض المختلفة. فقد تم استخدام مواد خاصة لفحص القلب و أمراض الشرايين و مواد خاصة لفحص و علاج الأمراض السرطانية و مواد خاصة لفحص الميكروب المُسبب لقرحة المعدة. و هناك أجهزة أخرى غير الجاما كاميرا يُشرف عليها أطباء الطب النووي و هي:

1- جهاز قياس نشاط الغدة الدرقية.
2- جهاز الجاما بروب (مسبار الجاما) الذي يُساعد الجراحيين على تحديد الغدد الليمفاوية المُصابة بالسرطان و أماكن تواجد السرطان أثناء العملية الجراحية.
3- جهاز العلاج الإشعاعي (البريكوثيرابي) الخاص بأمراض الشرايين, و الذي يتم عن طريقة علاج إنسداد الشرايين التاجية أثناء عملية القسطرة, مما يُساعد على التقليل من فرصة تكرار الإنسداد.

و هكذا نرى أن أقسام الطب النووي في الكويت قد أصبحت على مستوى عالٍ من الإمكانيات و الخدمات الصحية التي تقدمها للمرضى.

 الأبحاث و النشاطات العلمية:
للطب النووي دور مميز في إجراء الأبحاث العلمية في شتى مجالات الطب و التخصصات المختلفة, لأن فحوصات الطب النووي ذات أهمية في تقييم و تشخيص و علاج الحالات في مجال طب الباطنية و الجراحة و الأطفال و النساء و غيرها. و قد عرضت نتائج هذه الأبحاث في المجلات العلمية المتخصصة في الطب النووي و غير المتخصصة و المعروفة عالمياً. كما قُدمت أبحاث عديدة في أكبر المؤتمرات العالمية مثل المؤتمر الدولي السنوي للجمعية الأمريكية للطب النووي و المؤتمر الدولي السنوي للجمعية الأوروبية للطب النووي و المؤتمر العالمي للإتحاد الفيدرالي في الطب النووي و المؤتمر العالمي للطب النووي لدول آسيا و المحيط الهادي. و كذلك في مؤتمرات دولية أخرى مُتخصصة بأمراض القلب و السرطان و الكلى و غيرها. و من الجدير بالذكر أنه قد قُبل للكويت ثلاثين بحثاً في المؤتمر العالمي للطب النووي لدول آسيا و المحيط الهادي و الذي اُقيم في استنبول - تركيا عام 2000 , و قُبل خمسة عشرة بحثاً في المؤتمر الدولي السنوي للجمعية الأوروبية للطب النووي و الذي اُقيم في باريس - فرنسا عام 2000 , و قد حازت الأبحاث المُقدمة من الكويت في مؤتمرات سابقة على جوائز تقديرية كأحسن أبحاث تقدم في تلك المؤتمرات.

 البرامج التدريبية:
يوجد في كلية الطب و الطب المُساعد أقسام للطب النووي لتدريس مادة الطب النووي في جامعة الكويت لطلبة الطب و الطب المساعد. و تمنح كلية الطب المُساعد الطلبة شهادة البكالوريوس كفنيين في الطب النووي. و تخرج عدد لا بأس به من هؤلاء الفنيين الذين يعملون حالياً في أقسام الطب النووي بوزارة الصحة و قدموا جهوداً كبيرة في تطوير الطب النووي في الكويت. و في عام 1988 تأسس البرنامج التدريبي لأطباء الطب النووي تحت إشراف معهد الكويت للتخصصات الطبية و قد منحت شهادة البورد الكويتي للطب النووي لثمانية أطباء إلى وقتنا الحالي و ذلك لتوقف البرنامج بسبب الإحتلال العراقي الغاشم, و عاد البرنامج في عام 2004 و إلتحق به عدد من الأطباء للحصول على شهادة البورد. يقوم أطباء الطب النووي في الأقسام المختلفة في المستشفيات بالمشاركة في تدريب أطباء الزمالة للأشعة كجزء من برنامجهم التدريبي. و كذلك يقومون بتدريب فنيي الطب النووي - كلية الطب المُساعد - و فنيي قسم الفيزياء في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي.

طريقة عمل الفحوصات:
تمتاز معظم فحوصات الطب النووي بأنها لا تحتاج إلى تحضير خاص قبل إجراء الفحص مثل الصيام عن الطعام أو إعطاء مُخدر أثناء الفحص. هناك مواد مُشعة و مواد مُرشدة خاصة بكل نوع من الفحوصات حسب الحالة المرضية. يتم تحضير المادة في المختبر الحار بواسطة فني مختص لتحديد الكمية اللازمة و معايرتها في جهاز خاص لقياس الجرعات, و تعطى المادة للمريض أما عن طريق الوريد أو الفم أو حسب طبيعة الفحص, و بعد فترة من الزمن تكون كافية لتركيز المادة في العضو المراد فحصه. بعدها يُوضع المريض بوضع خاص يحدده نوع الفحص تحت جهاز الجاما كاميرا التي بدورها تلتقط الأشعة الصادرة من جسم المريض - هذه الأشعة لا تُرى بالعين المُجردة - و تقوم الجاما كاميرا بتحويل الأشعة إلى تيار كهربائي مُعين ينتقل إلى جهاز الكمبيوتر التابع للكاميرا و الذي بدوره يُحول هذا التيار إلى معلومات و حسابات خاصة تظهر على شاشة الكمبيوتر. و بعد تحليلها و معرفة نتائجها بواسطة برامج علمية مُتطورة و مُتخصصة يتم طبع النتيجة على أفلام أو أوراق خاصة تُعطى للمريض.
و يبدو واضحاً تأثير المرض على العضو المُصاب و مدى الخلل الوظيفي الذي خلفه, و يظهر ذلك على شكل زيادة أو نقصان في تركيز المادة المُشعة عن الحد الطبيعي, و هذا يُساعد على إكتشاف المرض في مراحله المُبكرة. و في الوقت الحالي أصبح الطب النووي يُشخص كثيراً من الأمراض في الجهاز العصبي و الدوري (الدورة الدموية) و الليمفاوي و التنفسي و الهضمي و أمراض العظام و السرطانات و غيرها.

العلاج بالطب النووي:
يلعب الطب النووي دوراً مُتنامياً في علاج الأمراض, حيث يُعطي المريض جرعة مناسبة من المادة المُشعة التي لها القدرة على التركيز بكميات كافية في الأماكن المُصابة بالمرض دون التأثير على الأماكن السليمة من الجسم. و يقوم الطب النووي في الكويت بعلاج مرض فرط نشاط الغدة الدرقية بإستخدام اليود المُشع و يوجد في مركز حسين مكي الجمعة للجراحة التخصصية وحدة علاجية تقوم بعلاج المرضى و متابعتهم في الفترة ما بعد العلاج. ففي الأسبوع الواحد يتم علاج 4-5 حالات و نسبة النجاح عالية دون أي مشاكل صحية نتيجة للعلاج. و في نفس هذه الوحدة العلاجية يتم علاج سرطان الغدة الدرقية باليود المُشع بعد إجراء العملية الجراحية. و توجد عيادة خاصة لعلاج إنتشار مرض السرطان في العظام في مركز حسين مكي و الغرض منها هو العلاج بمادة السترونشيوم التي تتركز في أماكن إنتشار المرض في العظام و تعمل على تخفيف الآلام. و قد حقق هذا العلاج نجاحاً كبيراً في تخفيف معاناة المرضى و عدم حاجتهم إلى الأدوية المُخدرة بكميات كبيرة.

و في بداية عام 2002 تم إدخال مواد إشعاعية مُعتمدة عالمياً أثبتت كفائتها في علاج بعض الأمراض السرطانية للعقد العصبية و الغدد الصماء. و كذلك مواد أخرى لعلاج أمراض الإلتهابات المُزمنة للمفاصل و الأمراض السرطانية المُنتشرة للغشاء المُبطن للرئة و البطن حيث يمنع التجمع المُتكرر للسوائل في هذه الأماكن. و قد تم إستعمال مادة الزفلين لعلاج سرطان الغدد الليمفاوية التي لا تتجاوب للعلاج بواسطة الإشعاع أو المواد الكيمائية.

 سلامة فحوصات الطب النووي:
عند سماع كلمة نووي يتبادر إلى ذهن الكثيرين من الناس المواد النووية التي تُستخدم في المعدات الحربية ذات المضار الخطيرة على الجسم البشري.
إن المواد النووية المُشعة التي تستعمل في الطب النووي هي مواد خاصة أساساً للإستخدام على الإنسان في التشخيص و العلاج و ليس لها مضار تذكر. يتم إنتاج هذه المواد في مصانع معروفة في العالم من مفاعلات أو معجلات نووية خاصة لهذا الغرض. ثم تُفحص في مختبرات خاصة للتأكد من سلامة فصلها و نقاوتها و خلوها من أي شوائب نووية أو ميكروبية ضارة على جسم الإنسان. و توضع هذه المواد في عبوات خاصة من الرصاص يسهل حملها و نقلها من مكان إلى آخر دون أي خطورة. و بعد وصول هذه المواد إلى قسم الطب النووي يقوم مسئول المختبر الحار بإجراء تحديد العينات و التأكد من معدل الجرعة و مدى كفاءة إتحادها بالمادة المُرشدة. و المواد المُرشدة هي مواد كيميائية تُساعد على تركيز المادة المُشعة في العضو المُراد فحصه, و هي مواد مُصرح بإستخدامها عالمياً و عُمل عليها إختبارات أثبتت خلوها من الميكروبات و المواد الضارة و من عدم وجود أي تفاعلات حيوية في جسم الإنسان.
و للجرعات المُخصصة لكل فحص حدود مسموح بها عالمياً و توجد قوانين خاصة بالوقاية من الإشعاع لحماية المريض و العاملين و المجتمع بصورة عامة. و هذه القوانين مُتبعة بكل دقة في أقسام الطب النووي في الكويت. المادة المُشعة التي تُعطى للمريض تبقى لمدة قصيرة في جسم المريض , و يُطرد كميات كبيرة منها عن طريق البول و البراز و العرق و التنفس بالإضافة إلى كونها تتحلل فيزيائياً حسب فترة نصف العمر لكل مادة. و لا تؤثر المواد المُشعة على مرافقي المريض أو العاملين في الطب النووي و لهذا فليس هناك أي داعي لعزل المريض خلال الفحص أو أن يرتدي العاملين الرداء الرصاصي كما هو معروف في فحوصات الأشعة السينية. و تُعطى هذه المواد للأطفال حديثي الولادة دون ضرر.

أما بالنسبة للنساء الحوامل فليس هناك دليل على أن هذه المواد تؤثر على الجنين, و لكن رغم ذلك, لا تُعطى إلا عند الضرورة القصوى ,كما أنها تُعطى بكميات أقل من المعدل المعروف في الحالات المُشابهة. و للنساء المرضعات يمكن عمل الفحص دون أي ضرر على الطفل الرضيع , إلا أنه يُنصح بإيقاف الرضاعة لمدة يوم أو يومين و من ثم تتابع الرضاعة بصورة عادية. أما الحالات التي تُعالج بالمواد المُشعة فيتم التأكد من عدم وجود حمل قبل بدأ العلاج و قد يحتاج المريض إلى عزل في بعض الحالات لمدة قصيرة جداً مثل علاج سرطان الغدة الدرقية, و تُنصح المريضة كذلك بالإمتناع عن الحمل لعدة أشهر بعد العلاج. بصورة عامة نستطيع أن نقول بأنه منذ إكتشاف الطب النووي في أوائل القرن العشرين و حتى يومنا هذا لا يوجد دليل على خطورة المواد الخاصة بفحوصات الطب النووي على صحة الإنسان و لم يُثبت وجود حالات سرطانية أو تشوهات خلقية للجنين, و لم يُثبت كذلك وجود مُضاعفات سرطانية للمرضى الذين تم علاجهم بالمواد المُشعة.

الخلاصة:
إن الطب النووي مهم جداً في تشخيص و علاج الأمراض المختلفة و كذلك في رسم الخطة العلاجية للمريض, و فحوصاته تمتاز بالسهولة و عدم وجود أضرار على الجسم. تطور الطب النووي في الكويت و أصبح له سمعة على المستويين المحلي و العالمي.

د. شهاب المهندي-رئيس اللجنة الفرعية لأقسام الطب النووي- الكويت